قدّم محمد بنعليلو، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، الاستراتيجية الخماسية الجديدة للفترة 2025 – 2030، مؤكدًا أن مكافحة الفساد لم تعد مجرد ورش إداري أو تقني، بل أصبحت معركة وجود ترتبط مباشرة بهيبة الدولة، وفعالية المؤسسات، واستدامة الثقة بين المواطن والمرفق العام.
وأشار بنعليلو، خلال إطلاق الاستراتيجية يوم الثلاثاء 09 دجنبر 2025، إلى أن هذه المبادرة لا تقوم على وثيقة تقنية بحتة، بل تنطلق من وعي جماعي بلحظة وطنية محورية، حيث يدخل المغرب مرحلة جديدة من بناء دولة حديثة وعادلة ونازِهة وفاعلة، تجعل النزاهة رافعة لإعادة الثقة في المؤسسات وضمان سيادة القانون.
وحضر اللقاء، إلى جانب رئيس الهيئة، رئيس المحكمة الدستورية، ورئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، ورئيس مجلس المنافسة، وأعضاء من المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وممثلين عن السلطات الأمنية والمؤسسات الدستورية، والمفتش العام للمالية.
وأكد بنعليلو أن الفساد لم يعد مجرد انحرافات فردية، بل يمكن أن يتحول إلى خلل بنيوي يطال السياسات العمومية ويقتحم المنظومات الإدارية والاقتصادية، ما يهدد الأسس الأخلاقية للمجتمع وشرعية الفعل العمومي.
وشدد على أن الفساد اليوم يُعرف عالميًا كسلوك منظم له امتداداته التقنية والمالية، وقدرته على التكيف وتهريب الأموال وإخفائها، وأحيانًا ترتبط به جهات خارجية، ما يجعل مواجهته أكثر استعجالًا وتعقيدًا.
كما أشار إلى أن أي استراتيجية ناجحة لمكافحة الفساد تتطلب انخراطًا حكوميًا معلنًا، وسلطة قضائية فعالة، وهيئات رقابية نشطة، وقطاعًا خاصًا مسؤولًا، ومجتمعًا مدنيًا يقظًا، وإعلامًا مسؤولًا، ومواطنًا مبادرًا ومطالبًا بالشفافية.
وتابع بنعليلو أن التدخل بعد وقوع الضرر لم يعد كافيًا، مشددًا على أهمية الانتقال إلى "الوقاية الذكية" والاستباقية، عبر أنظمة قادرة على فهم الظواهر وقياسها والتنبؤ بها، مع مقاربة مؤسساتية شاملة تشمل القطاعين العام والخاص.
وأضاف أن الهيئة تسعى لإعادة تموقعها كقطب مرجعي يقود مكافحة الفساد ويوجه السياسات العامة وفق الالتزامات الدولية وأفضل الممارسات العالمية، معتبرًا أن سنة 2030 تمثل أفقًا لتحول مؤسسي وثقافي يجعل النزاهة رافعة لبناء دولة قوية ومستدامة.
الاستراتيجية الجديدة تقوم على ستة محاور رئيسية، و24 محورًا فرعيًا، و99 مشروعًا تنفذ وفق نتائج قابلة للقياس، ومؤشرات أداء سنوية، وآليات مراجعة فورية:
القيادة المعيارية والاستشرافية للنزاهة: لتوجيه منظومة الوقاية من الفساد عبر إعداد مؤشرات وطنية، وباروميتر للنزاهة، وتوجيهات استراتيجية موحدة.
الوقاية واليقظة المبكرة ضد الفساد: من خلال إنشاء منظومة وطنية للتبليغ الآمن، ودعم أنظمة الامتثال، وآليات اليقظة في القطاعات عالية المخاطر مثل الصفقات العمومية وخدمات الاستثمار.
إشاعة ثقافة النزاهة وتعزيز الانخراط المجتمعي: عبر التربية الأخلاقية في المدارس والجامعات، برامج الشباب، دعم الصحافة الاستقصائية، وتعزيز دور المجتمع المدني في الرصد والتوصية.
الانخراط الدولي والشراكات متعددة الأطراف: لتعزيز حضور المغرب في المحافل الدولية وتوطين التجارب الناجحة وبناء جسور تعاون بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
التحول الرقمي والذكاء المؤسسي: يشمل رقمنة المساطر، واعتماد أنظمة الإنذار المبكر، واستثمار الذكاء الاصطناعي وحوكمة البيانات لدعم التحليل والاستباقية والنجاعة التشغيلية.
ترسيخ الجاهزية المؤسسية: بالتركيز على الحكامة الداخلية، وإدارة المخاطر، والشفافية، واستكمال الهيكلة التنظيمية، وتوسيع التمثيل الجهوي بما يعكس مكانة الهيئة الدستورية.
وخلص بنعليلو إلى أن الهيئة تسعى للعمل بروح "سلطة قيادة من الداخل"، تهدف إلى تنسيق الجهود وبناء جبهة وطنية واسعة تجمع الدولة والمجتمع والقطاع الخاص، وفق التوجيهات الملكية التي تعتبر مكافحة الفساد قضية دولة ومجتمع، وليست مزايدات فردية، مع تجريم الممارسات الفاسدة والتربية على النزاهة وفضح مرتكبيها.
